في ظل الصراع مع إسرائيل.. "الكراهية" خطر يهدد المجتمع اللبناني
في ظل الصراع مع إسرائيل.. "الكراهية" خطر يهدد المجتمع اللبناني
نائب رئيس بوارج البقاعية: وضعنا خطة طوارئ بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من العائلات النازحة
رئيس المعيصرة: الأشخاص النازحون مرحب بهم في كل وقت
ناشط حقوقي: القوانين اللبنانية تحد من خطاب الكراهية لكن ما يحدث له علاقة بالخلاف الداخلي والصراع المناطقي
ناشط حقوقي: هناك فرصة للتغلب على الانقسامات السياسية من خلال الحوار المفتوح والتوحد في أوقات الأزمات
مؤسس الجمعية اللبنانية للتنمية الاجتماعية والتواصل: يوجد في لبنان 18 طائفة مقسمة وما لا يقل عن 166 حزباً سياسياً
لبنان- بلال نور الدين
بينما تستمر المعركة مع إسرائيل في جنوب لبنان منذ 8 أكتوبر 2023، يعيش الداخل اللبناني لوناً مختلفاً من أشكال الصراع، فقد برز مؤخرا خطاب يدعو إلى عدم استقبال الفارين من جحيم الحرب ورفض تأجيرهم المنازل.
وفي حين أعاد البعض هذا الخطاب إلى الانقسام السياسي الحاد في البلاد، رأى آخرون أنه نابع من تخوف أن تستهدف إسرائيل أولئك النازحين في مناطق سكنهم الجديدة، ما يهدد سلامة سكان تلك المناطق، في حين خرج خطاب مضاد يرى أن الموت بالسلاح الإسرائيلي أفضل من الذل الذي قد يتعرض له المواطن اللبناني من أخيه في أي مكان.
وسجلت حوادث عدة لطرد نازحين من مناطق معينة خلال الأسابيع الماضية، لأسباب سياسية أو طائفية، ما أعاد إلى أذهان الناس صورة الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت ما بين عامي 1975 و1990، حيث مورست جرائم القتل على أسس طائفية ومناطقية.
وفي هذا السياق، أصدرت بلدية فالوغا بيانا أثار جدلا، إذ فهم منه أن البلدية لن تستقبل النازحين، قبل أن يوضح رئيس البلدية أن البيان فسر بشكل خاطئ وأن أي نازح مرحب به، كاشفا أن "القصد (هو) تفادي أي خلل أمني يمكن أن يحدث وحماية أهلنا النازحين من أي استغلال مادي".
"بيوتنا بيوتهم"
وبينما يشغل الخطاب المتوتر غالبية اللبنانيين، أعلنت بلديات في مناطق مختلفة ترحيبها بالنازحين ووفرت لهم بيوتا مجانية.
وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس بوارج البقاعية المهندس حسين جابر، إن "ما قامت به البلدية هو ليس مبادرة بل هو واجب تجاه أهلنا الذين يضحون بأهلهم وبيوتهم لأجل كل اللبنانيين، وبالتالي، فإن أقل شيء هو أن نفتح بيوتنا لهم".
حسين جابر
وأضاف جابر، في حديثه مع "جسور بوست"، قائلا: “وضعنا خطة طوارئ في حال حدوث أي تطور كبير وذلك بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن العائلات النازحة”، مؤكدا أن "كل القرى البقاعية لديها نفس الموقف المرحِّب، وإن كانت هناك أصوات مخالفة فهي حالات فردية".
وفي السياق، أوضح رئيس المعيصرة زهير عمرو في حديثه مع "جسور بوست"، أن "البلدية وضعت عددا من المنازل بالخدمة في حال وقوع أي طارئ، وهذه المنازل ليست للإيجار".
وأشار عمرو إلى أن "الأشخاص النازحين مرحب بهم في كل وقت، فهم أصحاب تلك البيوت وأهل القرية ضيوف عندهم".
ووفقا لأرقام رسمية، فإن ما لا يقل عن 100 ألف شخص غادروا بيوتهم في جنوب لبنان نحو مناطق أخرى.
وبينما سكن بعضهم لدى أقاربهم أو في مراكز النزوح المستحدثة كالمدارس، اضطر آخرون للبحث عن منازل للإيجار.
زهير عمرو
ونتيجة ارتفاع الطلب، ارتفعت أسعار الشقق حتى وصلت القيمة التأجيرية لبعضها إلى آلاف الدولارات في بلد يعاني شعبه أزمة اقتصادية خانقة منذ 2019، حيث وصل سعر الدولار إلى 90 ألف ليرة، في وقت سجلت الدولة خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات منذ بداية المعركة في أكتوبر 2023.
وفي سياق الاستعداد لأي طارئ وسعيا لاستيعاب النازحين في حال تطورت المعركة بين لبنان وإسرائيل، وضعت وزارات الدولة خططاً للاستجابة؛ فعلى سبيل المثال وضعت وزارة التربية عدة معاهد تدريسية بتصرّف لجنة الكوارث الوطنية.
ووفق مركز الدولية للمعلومات، ومقره بيروت، فإن الحرب سجلت سقوط "571 قتيلا، وأكثر من 2180 إصابة"، كما تسببت في دمار "1940 منزلا دمارا شاملا وإصابة 1700 منزل بدمار كبير، بينما بلغ عدد البيوت المتضررة 7000 منزل".
الكراهية توقدها السياسة
وتعليقا على رفض البعض تأجير أملاكه للنازحين، أوضح المحامي والناشط الحقوقي الشريف سليمان، أن "القوانين اللبنانية ترعى الملكية الفردية، وبالتالي، إذا كان لشخص ملكية ما وفضل تأجيرها من عدمه فلا علاقة لأحد بذلك، ولكن بعدما ظهرت مناطق ذات طبيعة طائفية، باتت تخرج قرارات عن بلديات أو حتى نواب وأحزاب، يقال فيها إن (تلك المناطق) لا تؤجر لأبناء الطائفة الشيعة أو للنازحين من الجنوب".
وأشار سليمان، في حديثه مع "جسور بوست"، إلى أن "هذا له علاقة بالخلاف اللبناني الداخلي، وبناء الحواجز النفسية كما في أيام الحرب الأهلية والصراع المناطقي بين المسلمين والمسيحيين. وهذا يعتبر قصوراً لدى اللبنانيين في فهم وحمل القضايا الوطنية".
الشريف سليمان
وتنص الفقرة "ط" من مقدمة الدستور اللبناني على أن "أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسیماً ولا توطیناً".
حقوقيا، يرى سليمان أن "القوانين اللبنانية تحد من خطاب الكراهية، حيث إن اللبنانيين سواسية أمام القانون وفق الدستور اللبناني.. ولكن العبرة في التطبيق، فالتطبيق من قبل مكونات المنظومة هو تطبيق محرف للقانون، وهذا يكرس تقسيم اللبنانيين إلى قطعان طائفية، علما أن القوانين تحتاج إلى تطوير".
وكشف الناشط الحقوقي عن أن "خطاب الكراهية ليس مرتبطا بالحرب بل بالخلاف السياسي؛ إذ إن هناك عقماً في التفكير السياسي.. فعلى سبيل المثال، تجد فريقاً عريضاً في لبنان يستخدم مصطلح “الثنائي الشيعي (نسبة لحزب الله وحركة أمل)، في حين أن هناك شيعة ليسوا تابعين لذلك الثنائي، فهل يعني ذلك أنهم باتوا غير موجودين؟ علما أن هؤلاء قد يتفقون مع (الثنائي) على المواجهة مع إسرائيل، ولكنهم يختلفون معهم في أمور أخرى، وهكذا يؤدي خطاب الكراهية إلى إظهار الشيعة على أنهم شعب (قائم لوحده) وكذلك المسيحيون والسنة”.
وأعاد سليمان جزءاً من المشهد السوداوي القائم حاليا إلى ضعف الدولة، معتبرا أن الدولة "أعجز من أن تأخذ خطوات فعلية، فالقوى الحزبية في لبنان أقوى من الدولة".
ونزعا لأي فتيل طائفي، صرح النائب السابق سيزار معلوف مؤخرا بأن مسيحيته ولبنانيته لا تسمحان له إلا بوضع الخلافات والنكد السياسي جانبا، مستنكرا التصريحات التي دعت إلى عدم استقبال نازحي الحرب وعدم تأجيرهم منازل، إذ أكد أنها لا تمثل المسيحيين ولا المسيحية، كما شدد معلوف على ضرورة فتح البيوت والوقوف إلى جانب أولئك الناس.
تعاطف ورحمة
بدوره، يرى الناشط الحقوقي علي الزين أن الدعوات إلى عدم استقبال النازحين تعكس مدى عمق الانقسام السياسي في البلاد، مشيرا إلى أن "الظروف السياسية والاقتصادية المتدهورة حاليا، جعلت خطاب الكراهية يصعد، على عكس الظروف التي كانت خلال حرب تموز 2006 عندما استقبل الناس بعضهم بترحاب نوعا ما".
ويرى الزين أنه "وعلى الرغم من أن الانقسامات السياسية الحالية مثيرة للقلق، فإن هناك فرصة للتغلب عليها من خلال الحوار المفتوح والصادق. فقد أظهر الشعب اللبناني مرارًا وتكرارًا قدرته على الصمود والتوحد في أوقات الأزمات".
وتابع "إذا تعاملنا مع هذا الظرف القائم بالقليل من التعاطف والرحمة والالتزام الحقيقي بالوحدة الوطنية، فإننا نستطيع إيجاد مسار للمضي قدمًا بالبلاد، بدلا من دفعها إلى مزيد من الاصطدام".
الحوار مفتاح الحل
من جهته، يرى مؤسس الجمعية اللبنانية للتنمية الاجتماعية والتواصل، جوزيف متى، أن "عبارة (خطاب الكراهية) عبارة كبيرة، فالشعب يعيش في حالة ضغط وعدم وعي، فالشعب الذي يصرخ في وجه بعضه اليوم سنجده يجلس معا غدا، أي أنه لا توجد كراهية.. فالكراهية تجعل الشخص ثابتاً على موقفه، أما الشعب فكل يوم نراه في جهة".
وقال "متى" في حديثه مع "جسور بوست"، إن "الأفراد عندما يتعرفون على بعضهم بعضا تنكسر بينهم الحواجز، ولكن عندما يعودون إلى مجتمعاتهم المنغلقة يرجعون إلى حالة الصراع".
جوزيف متى
وتابع: "القول بأن المجتمع اللبناني منفتح ومتآخٍ وما شابه ليس سوى كلام، فالحقيقة أننا منقسمون.. ومجتمعنا مركب من الرأس إلى القاعدة".
ومع اعتقاده بأنه "لا يوجد مجتمع لبنان، بل مجتمعات، وكل مجتمع قائم على قاعدة دينية وأخرى سياسية لها أهداف وأبعاد"، يرى متى أن الصراع بين اللبنانيين "لن يبقى موجودا، إذ سيكون هناك وعي إنساني أكبر، وهذا يساعد على تقبل الآخر مهما كان مختلفا عني (كمواطن)".
وأضاف ردا على سؤال حول كيفية تعزيز ثقافة الحوار والسلام في لبنان، قائلا إن "من يقوم بذلك المجتمع المدني الذي يؤمن بالإنسانية".
وعن مدى التأثير الذي يلعبه الإعلام في تعزيز خطاب الكراهية بين الناس، أوضح "متى"، أن "الإعلام تابع لمجموعات.. وبالتالي، لا يوجد إعلام صادق في لبنان، فصحيح أن الإعلام ينقل الخبر ولا يخترعه ولكنه يضعه في أبعاده الخاصة ويتكلم بحسب المنطق الخاص بمالكه".
ويوجد في لبنان 18 طائفة مقسمة ما بين المسلمين والمسيحيين وما لا يقل عن 166 حزبا سياسيا، ما يجعل المشهد السياسي-المجتمعي في البلاد معقدا وحساسا.